لا يزال "الصمت الانتخابي" سيد الموقف في بيت ​الكتائب​ المركزي في الصيفي. فبالرغم من انتهاء المهلة المحددة لهذا الصمت مع اغلاق صناديق الاقتراع مساء الأحد الماضي، لا يزال الكتائبيون وعلى رأسهم رئيس الحزب النائب ​سامي الجميل​ ملتزمون به، على أن ينتهي بحسب المعلومات الأسبوع المقبل.

وينكب الجميل الشاب والفريق المقرب منه منذ اعلان النتائج غير الرسمية على محاولة استيعاب حجم الخسارة التي أصيبوا بها وتحديد أسبابها، وان كانوا يتوقعونها أصلا منذ اقرار قانون الانتخاب الذي لم يكونوا شركاء في وضعه لتواجدهم في صفوف المعارضة. فانتقده رئيس الحزب مرارا معتبرا انه يفتقد لوحدة المعايير وأنه فُصّل لتأمين فوز ​حزب الله​ بالأكثرية النيابية، الا ان الجميل "الثائر" يعلم تماما ان ليس القانون وحده من خذله، بل قواعد شعبية كبيرة لم تلاقيه في منتصف الطريق تحت عنوان "نبض التغيير"، وارتأت توسيع كتلتي "​القوات اللبنانية​" و"​التيار الوطني الحر​" على حساب الكتلة الكتائبية التي تقلصت من 5 الى 3 نواب.

وبعيدا عن النكات والانتقادات اللاذعة التي تضج بها وسائل التواصل الاجتماعي منذ صباح الاثنين والتي تتخذ بمعظمها طابع "السخرية والتشفّي"، قد يكون من الصعب في مكان الحسم والحديث عن أسباب محددة وواضحة للخسارة الكتائبية، خاصة وأن الجميّل الشاب قدّم خلال المرحلة الماضية تجربة جديدة وحتى يمكن ان نقول "رائدة" في العمل السياسي اللبناني، فمارس المعارضة بشراسة غير مسبوقة، وخاصم القريب والبعيد غير آبه بأن ذلك سيؤدي لنوع من العزلة انعكست وبوضوح في التحالفات الانتخابية، وساهمت في خسارة نائبي زحلة و​البترون​ لمصلحة "القوات".

ولم ينفع الطعن الذي قدمه الجميل بقانون ​الضرائب​ ولاقى ترحيبا شعبيا كبيرا ولا الطعن الأخير الذي قدمه بالمادة 49 من الموازنة، باستنهاض القواعد الشعبية لمصلحته في الانتخابات، وان كان الحلفاء والخصوم أجمعوا على ان ما قام به في هذين الملفين "ضربة معلم" كان يتوجب أن يكون لها صداها الشعبي.

ولا تزال معظم التساؤلات من دون أجوبة شافية، وان كان أكثر من قيادي كتائبي يقر بالخسارة ويتعاطى مع ما حصل كخسارة لمعركة في حرب طويلة، ما يستوجب التقليل من الكلام والاكثار من العمل بعد رصّ الصفوف الحزبية. "هو وقت الشدة"، يقول احد القياديين، "وسنكون ثابتين أكثر من أي وقت مضى ومتمسكين بمبادئنا ومواقفنا، مع امكانية اعتماد خطط عمل وسياسات جديدة بعد القيام بعملية نقد ذاتي والأخذ ببعض الانتقادات البنّاءة، اما كل ما هو غير ذلك فلا يعنينا ولن يؤدي لاهتزاز قناعاتنا".

واذا كان القسم الأكبر من الكتائبيين يقر بأن أخطاء بالسياسة العامة الحزبية أدت لهذه الخسارة، فان قسما آخر يحمّل "​المجتمع المدني​" جزءا من المسؤولية نتيجة تشتّته واصراره على اغلاق لوائحه في دوائر محددة، معتبرا انّه لو تكاتف طرفا الكتائب والمجتمع المدني كما يجب في كل المناطق لجاءت النتائج مغايرة وما كانت لتقتصر على فوز 3 كتائبيين ومرشحة واحدة من "​كلنا وطني​" هي النائب ​بولا يعقوبيان​.

ويعتقد كثيرون ان الجميل الشاب بالغ في المعارضة فصوّب على "المنيح بعزا القبيح" فخسر "القوات" الأقرب اليه بدل أن يتكاتفا منذ البداية لخوض معركة واحدة كانت لتصب لصالحهما، بدل استلحاق نفسه بتحالفات جزئية في بيروت والبترون وزحلة أتت نتائجها عكسية بالنسبة اليه وصبّت الى حد بعيد لمصلحة "القوات".

قد تطول الملاحظات والاستنتاجات كما التحليلات لما آل اليه وضع حزب "الكتائب" كما قد يحاول البعض الحد من الخسائر بالقول ان النواب الكتائبيين الـ3 في برلمان 2018 "قدّن كلن"، الا ان ما يُمكن الاجماع عليه فهو ان هذا الحزب التاريخي يمر بأصعب مراحله على الاطلاق، ما يستدعي اعادة نظر جذرية بسياساته وتحالفاته كي تكون حقيقة انتخابات 2018 محطة، لا حربا قطعت النفس الأخير لحزب الـ82 عاما.